الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ..
· الحمد لله الذى هدانا لشرائع الإيمان ..
· الحمد لله أخرجنا من ظـلمات الجاهلية الجهلاء إلى نور الإسلام الحنيف ..
· الحمد لله اصطـفانا واجتبانا لتوحيده وطـاعته من بين الملايين من ابناء البشرية الضالة الغارقة فى أوحال الكفر والفجور، اللهم ثبتنا على الإسـلام، وتوفنا مسلمين.
· الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربّنا بالحق.
أيها الإخوة .. اذكـروا ما أنـعم الله عليكم من النّعم الجليلة التى أجلّها نعمة الإسلام والإيمان، والتوبة من الشرك والكفران.
اعلمُوا أنَّ الله العليم الخبير، قد قسم عباده إلى أقسامٍ ثلاثة، لا رابع لها، فافهمُوا ذلك حقَّ الفهم، وانظرُوا إلى أوصاف كلِّ قسمٍ، لتعلمُوا حقائق النُفُوس، ومنازلها عند الله. فإنَّ الله لا ينظرُ إلى أجساد العباد وأموالهم وأنسابهم، وإنَّما ينظرُ إلى قلُوبهم وأعمالهم.
القسم الأول: وهم أهلُ الإيمان، أهلُ التصديق الجازم، والعمل الصادق، والسُلوك المستقيم، الَّذين تابُوا من الشركِ، وبرِئُوا من النِّفاق. في قلُوبهم استيقانٌ بأخبار اللهِ، ومحبَّة لأداء الطاعة، والعمل بما يقتضيه الإيمان، وكراهية الكُفر والفسُوق والعصيان.
وإليك الآياتُ التالية التي هي نموذج مما جاء في القرآن من أوصافهم:
والقسم الثالث: وهم أهلُ النِّفاق، المُذبذبُون بين أهلِ الإيمان وأهلِ الكُفرِ، ليسُوا من هؤلاء، ولا من هؤلاء. ادَّعوا الإسلامَ، وكرهُوا الاستسلام، فقدُوا الإيمان واليقين القلبي، فثقُلت عليهم التكاليفُ، يُحبُّون ما يُبغضُه الله، ويُبغضُون ما يُحبُّهُ الله.
وقد أنزل اللهُ سُوراً، وآياتٍ كثيرة عن صفات "الصنف الثالث" هذا، حتى لا يغترَّ أهلُ الإيمان بدعاويهم وشعائرهم. وهم أخطرُ من الكافرين المظهرين لكفرهم، لأنَّ هؤلاء يُمكنُ الاحترازُ منهم.
ومن لم يُؤمن بوجود "الصنف الثالث"، وما أخبر اللهُ في كتابه من سماتهم وعلاماتهم ، فلا يكُونُ صالحا لحراسة الاسلام، ولا يكُونُ هو في مأمن من كيدهم. إنَّهم مسلمُون بالقول، ولكنَّ الله يشهدُ أنَّهم أعداؤه، وأعداءُ المؤمنين. كما جاء في القرآن:
أيُّها الإخوة إذا رأيتُم من يزعُمُ أنَّهُ من أهلِ الإسلام والتَّوحيد، ويحبُّ مُوالاة المشركين، وتصعُبُ عليه البراءةُ منهم. يتودَّدُ إلى الأشرار، ويُعرضُ عن صحبة الأخيار، فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوه بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكونوا منهُ على حذر.
وإذا رأيتُم من يزعُمُ أنَّهُ من أهلِ الإسلام والتَّوحيد، ويعتادُ التكاسُلَ عن الصلاة، وتثقلُ عليه المواظبة على شهودها في الجماعة، بينما هو يقضي الساعات الطويلة في الخوضِ بالباطل، وجمع حطام الدُنيا الزائل.
إذا رأيتم من تعظمُ في عينيه الأرباحُ الدنيوية، وتهُونُ عليه الباقيات الصالحات. فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوه بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكونوا منهُ على حذر.
إذا رأيتُم من يزعُمُ أنَّهُ من أهلِ الإسلام والتَّوحيد، وقد زالت عنه الغيرةُ لدين الله، ولا يرى القعود مع المستهزئين بآيات الله بأساً. فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوه بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكونوا منهُ على حذر.
إذا رأيتُم غافـلا عن ذكر الله، لا يقرأ قرآناً، ولا يدعُوا إلى حقِّ، ولا يُعلّمُ جاهلا، ويستأنسُ بقساة القلُوب، هواة الفكاهات والنوادر المضحكات. ولا يسأمُ عن متابعة إذاعات الكُفارِ، وقنوات الشياطين ليلا ونهاراً، فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوه بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكونوا منهُ على حذر.
إذا رأيتُم من يزعُمُ أنَّهُ من أهلِ الإسلام والتَّوحيد، ويبخلُ عن الإسلام نفسهُ، ومالهُ، ورأيهُ، ويرى الإنفاق في سبيل الله، خسارة وغبنا، بينما يتوسَّعُ ويُسرفُ في إشباع شهوات نفسه وأهله، فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوه بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكونوا منهُ على حذر. ﴿وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 54]. ﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبـة:67]
إذا رأيتم من يزعُمُ أنَّهُ من أهلِ الإسلام والتَّوحيد، ويسعى في التفريق بين أهل الإيمان، وابتغاء الفتنة لهم، وإحياء العصبيات الجاهلية التي أماتها الإسلام، فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوه بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكونوا منهُ على حذر.
إذا رأيتُم من يزعُمُ أنَّهُ من أهلِ الإسلام والتَّوحيد، وقد اعتاد على الكذب، وإخـلاف الوعد، والخـيانة في الأمانات، والفجور في المخاصمات، فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوهُ بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكُونُوا منهُ على حذر.
وفي الحديث: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (متفق عليه)
إذا رأيتم من يزعُمُ أنَّهُ من أهلِ الإسلام والتَّوحيد، ويُكرمُ المجاهرين بالشر والفساد، ويُبغض أهل الخير، ويُؤذي الصَّالحين، ويُحبُّ مخالفة الأوامر الجماعية، فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوهُ بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكُونُوا منهُ على حذر.
إذا رأيتم من يزعُمُ أنَّهُ من أهلِ الإسلام والتَّوحيد، ويرضى بالعطاء ويسخط بعدمه، ويأمرُ بالمنكر، وينهي عن المعروف، ويُذيعُ أخبار الخوف والأمن، ويُريدُ التحاكم إلى الطاغوت وغير ذلك من سمات المنافقين، فقد ظهرت منهُ سمة أهلِ النِّفاق، فجاهدوهُ بالقول البليغ والموعظة الحسنة، فإنْ أصرَّ على طريقته، فكُونُوا منهُ على حذر.
أيُّها المسلمُون اعلموا خطُورة المنافقين، واخشوا النِّفاق على أنفسكم، واعلمُوا أنكم لا تكونون مؤدين لحق الله عليكم شاكرين لأنعمه حتى تشرَوا أنفسكم وأموالكم بالآخرة وتبذلوها رخيصة في سبيل الله:
وليس وراء التجرد لله، ووراء الإخلاص فى الأعمال والنيات إلا النفاق، والدخول في زمرة المنافقين، الذين قال الله تبارك وتعالى عنهم: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبـة:45]
واعلموا -كذلك- أنكم لا تكونون مؤدين لحق الله شاكرين لأنعمه حتى تستجيبوا له استجابة كاملة وتتلقوا أوامره بالرضى والقبول .
فاعرضوا أنفسكم على كتاب الله لتعلموا مدى استجابتكم ومبلغ طاعتكم وانقيادكم لربكم الكريم. وحاسبُوا أنفسكم قبل أن تُحاسبُوا، واستعدُّوا للعرض الأكبر.
وأختمُ الحديث بنصيحة للمُربِّين المُصلحين:
اعلمُوا أنَّ واجبكم الأول هو "تبليغ الحقِّ" إلى كافّة الخلق، وأنَّ الكفار والمنافقين من هذا الخلق، فلا تحملنَّكم تصرُّفاتهم السيِّئة على البخل ببيان العلم الصحيح، والتذكرة النَّافعة.
اعلمُوا أنَّ باب التَّوبة مفتُوحٌ، وأنَّ المنافق يُمكنُ أن يُوفِّقه الله للتوبة فيمُوتُ مُؤمناً،
اعلمُوا أنّ الصواب أن يكُون همُّ الداعية الأول إصلاح القلوب والنيات والإرادات، وتصحيح الأفكار والمفاهيم والعقائد، قبل الأعمال والسُلوك، فإذا تمَّ لهُ ذلك، صلُحت الأعمالُ والسلُوك، فإنَّ الأعمال لا تستقيمُ حتى تستقيم القلُوبُ، ولا تستقيمُ القلُوبُ حتى يستقيم الإيمان. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [الأحزاب:70-71]
إذا رأيت من يحبُّ أن يتشبَّه بالكُفارِ، في المشي والملبس، وفي السلُوك والعادات، فاعلم أنَّهُ مريضُ القلب، وأنّهُ في حاجة إلى دواء، وأنَّ دواء القلُوب الإيمان بالله وبالبعث والحساب، فحاول أن تدعُوهُ إلى الإيمان بالحكمة والموعظة الحسنة، قبل الهجُوم على سُلوكه وآدابه المنحرفة. فإنّ إصلاح الظاهر لا يُجدي من مريض القلب شيئا.
اعلمُوا أنَّكم في حاجَّة إلى تيسير الله، وبدُونه لا تقدرُون على الصبر على متاعب الدعوة والتربية، وأنَّ هذا التيسير الإلهي يُنالُ بالإخلاص وإصلاح النيّة، وتنقيتها من الكبر والعُجب والحسد وغيرها من آفات القلب.
وقد سأل موسى عليه السلام ربَّهُ التيسير، لما كلَّفهُ بحمل الرسالة، فقال: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ، يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي ﴾[طـه:25-30]
ومما يُؤثرُ عن السلف الصالح: "من أصلح سريرتهُ أصلح الله علانيتهُ، ومن أصلح ما بينهُ وبين الله، أصلح اللهُ ما بينهُ وبين النَّاس، ومن عمل لآخرته كفاهُ اللهُ أمر دُنياهُ"
وكان منهم من يقُولُ ما معناه: "إذا فاتني قيامُ الليل عرفتُ ذلك من أخلاق تلامذتي". ومن يقُولُ ما معناه: "إذا عصيتُ ربِّي عرفتُ ذلك من خلق زوجتي ودابتي". وهذا لعلمهم بأنَّ الطاعات تجلبُ التيسير، والمعاصي تجلبُ التعسير. ( وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ) ..